قم ببيع أسهمك في مايو وكن بعيدا !

ينتشر بين مجتمعات المال والأعمال خليط من الحكم والأقوال، وربما يصل الأمر ببعضها إلى ما يشبه القواعد المتداولة بينهم، وغالبا ما تكون مثل هذه الحكم أو القواعد صادرة عن شخصيات لها وزنها في الأسواق المالية من كبار المستثمرين والمضاربين أو مديري الصناديق ومن في حكمهم، بسبب حجم خبرتهم في السوق، ولا شك أن هذه الحكم إن صح التعبير وإن كانت غير منضبطة في كل الحالات والفترات فهي بطبيعة الحال ليست وحياً لا يحتمل الخطأ، إلا أنه يبقى لها تأثير في أذهان وسلوك المتداولين في الأسواق حسب شهرتها وانتشارها.

من تلك الأقوال أو الأمثال المتداولة " اشتر على الإشاعة وبع على الخبر"، والمقصود أن بعض الأسهم تسبق في حركتها الأخبار الإيجابية فتصعد بشكل ملحوظ ويتفاعل معها مجتمع المتداولين عند انتشار خبر إيجابي قبل إعلانه، وقبيل الإعلان عنه يكون سعر السهم قد استنفد حركته في الصعود أو بعبارة أخرى يكون قد أفل نجمه، وبالتالي لا يتفاعل السعر بعد الإعلان مقارنة بتفاعله قبله، وبغض النظر عن مدى صحة هذه المقولة من عدمها فإنها أثبتت نفعها في حالات متعددة، فالأسواق ترفض لغة التعميم بطبيعة حالها المتقلبة.

لذلك نستحضر اليوم مع بداية شهر مايو مقولة شهيرة، خاصة بمجتمعات الأسواق العالمية وتحديدا في وول ستريت، وهي عبارة "Sell in May and go away" أي "قم ببيع أسهمك في شهر مايو وابق بعيدا أو ارحل" والحقيقة أن هذا المثل ليس على إطلاقه، لكن في الوقت ذاته فقد تكرر صدقه في عدد من الفترات، فوفقا لدراسة أجرتها وكالة رويترز على الـ50 عاما الماضية، وبحسب الدراسة ففي المجمل كان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد ارتفع بنسبة 4.8 % ما بين شهري نوفمبر وأبريل، مقارنة بنسبة ارتفاع 1,2 % ما بين شهري مايو وأكتوبر، ولا تخلو بعض الفترات من معاكسة ما سبق.

لذلك أعتقد أن حركة السوق بين شهري نوفمبر وأبريل ربما تعكس ما قد يحدث هذا العام في مايو وما بعده، فالفترة بين نوفمبر الماضي حتى شهر أبريل المنصرم حققت فيها الأسواق العالمية قمما تاريخية، وإذا استحضرنا مدى شهرة المقولة السابقة وانتشارها في الأسواق، فضلا عن تحرر الدولار من مساره الهابط وبدئه مسارا صاعدا جديدا، يضاف إلى ذلك عودة التضخم إلى الارتفاع في الولايات المتحدة منذ بداية العام الجاري، فإنه من غير المستبعد أن تصدق المقولة هذا العام ويكون لها انعكاس واضح على الأسواق بعد فترات من الصعود شبه المتواصل، خاصة أن مؤشر الدولار مرشح حتى الآن لتجاوز مستوى 107، وبالتالي سيكون ذلك حال حدوثه مؤلما للأسواق.

فارتفاع الدولار ينعكس سلباً على عموم الأسواق سواء الأسهم أو الذهب أو النفط وكذلك بقية العملات الرئيسة، وما يدعم ارتفاع مؤشر الدولار بنسبة تجاوزت 4 % منذ بداية شهر مارس الماضي وحتى الآن عدة عوامل من أهمها: استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، ارتفاع العائد على السندات، كذلك توقع الأسواق تأخير الفيدرالي عملية بدء تخفيض الفائدة، نظرا للمستجدات الحالية، وهذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تبقي مؤشر الدولار محافظا على منطقة دعمه عند 105، إلا في حال صدور بيانات اقتصادية جديدة تفيد بتراجع التضخم، وهو ما يعد مستبعدا على المدى القريب. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي